الكاتب موقع قصة الإسلام
في مثل هذه الأيام من العام الماضي هاجمت عصابات من إثنية الهان الصينية -التي تشكِّل غالبية السكان في الصين- مسلمي الإيجور في مدينة أورومتشي التي شهدت اعتداءات كبيرة على السكان المسلمين الذين يشكلون الأغلبية في إقليم تركستان الشرقية، أو ما تسميه الصين (سينكيانج)؛ إذ خرج متطرفون من الهان يحملون السلاسل والمطرقات والقضبان الحديدية، باحثين عن أهداف من المسلمين، مما أدَّى إلى اختباء الإيجور في منازلهم تحسبًا لوقوع مجازر جديدة بحقهم، في وقتٍ تمَّ فيه فرض حظر التجوال على المدينة.
وجابت عصابات الهان شوارع المدينة وهم يحملون كافة أنواع الأسلحة، ويصرخون بعبارات معادية للإيجور، ويطلقون الشعارات القومية، وسار نحو عشرة آلاف شخص في أنحاء عدة من مختلف مناطق العاصمة، وقد قامت الشرطة بمنعهم من دخول أحياء الإيجور؛ حيث أطلقت الغاز المسيل للدموع، ونصبت حواجز الطرق، ولكن المتظاهرين رفضوا التفرق.
وفي مناطق أخرى، اكتفى رجال الشرطة وغيرهم من عناصر الأمن بالوقوف ومشاهدة المتظاهرين وهم يسيرون في الشوارع، ويهتفون ضد الإيجور.
وقد أعرب الإيجور عن أسفهم وإحباطهم من معاملة قوات الأمن التي وصفوها بأنها كانت أكثر قسوة وعنفًا معهم من معاملتها للهان الصينيين، وقالوا إنهم خائفون للغاية، ولا يعتقدون أن الشرطة تستطيع حمايتهم، وأضاف شهود عيان أن كل ما تفعله الشرطة مع الهان هو دفعهم إلى الوراء، وجعلهم يتفرقون، ولكن لم يأخذوا أسلحتهم.
وقد أعلن المؤتمر الدولي للإيجور أن عدد القتلى الذين سقطوا في أحداث العنف التي اندلعت في منطقة سينكيانج غرب الصين بلغ ثمانمائة قتيل تقريبًا.
تركستان الشرقية.. حقائق وتاريخ
ونلفت النظر بداية إلى أن تركستان الشرقية دولة محتلة من قِبَل الصين، تحدُّها منغوليا من الشمال الشرقي والصين شرقًا وكازاخستان وطاجكيستان شمالاً وغربًا، والهند وباكستان والتبت وكشمير جنوبًا، وتبلغ مساحة تركستان الشرقية 1.660 مليون كم2، وتأتي في الترتيب التاسع عشر بين دول العالم من حيث المساحة، إذ تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وتشكل خمس المساحة الإجمالية للصين.
كما يوجد في تركستان الشرقية التي تسمي اليوم إقليم (سينكيانج) 86 مدينة، يقوم الصينيون بإعادة تقسيمها وتسميتها، وتدار تحت مظلة الحكم الذاتي (اسمًا)، ويقدر العدد الحالي للسكان المسلمين بـ18 إلى 20 مليون نسمة، فهم يمثلون حوالي 90 - 95% من سكان بعض المدن التركستانية.
وتركستان مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، "ترك" و"ستان"، ويعني أرض الترك، وتنقسم إلى "تركستان الغربية" أو آسيا الوسطى التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا، ويحدها من الشرق جبال "تيان شان"، ومن الغرب "جبال الأورال" و"بحر قزوين"، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، ومن الجنوب هضبة.
أما "تركستان الشرقية أو إيجورستان" الخاضعة الآن للصين، وتعرف باسم مقاطعة "سينكيانج"، فيحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية.
ولقد أُطلق على تركستان الشرقية اسم "سينكيانج" لمحاولة تصيينها ديموغرافيًّا وهي تتعرض كل يوم لتطهير عرقي وتهجير حتى تقل نسبة المسلمين فيها، فلقد وصلت إلى أكثر من 95% من نسبة السكان، ولكنها بعد الممارسات القمعية والتطهير العرقي والتهجير وعمليات الاستيطان المستمرة قد قلت هذه النسبة.
وكانت قومية الهان في مقدمة القوميات التي تم إحلال أبنائها محل أبناء الإقليم من المسلمين؛ إذ تمثل قومية الهان حوالي 94% من الشعب الصيني، الذي يتكون من 55 قومية أخرى.
وكل من تعاقب على حكم الصين من أباطرة وقادة للحزب الشيوعي وقواعده الشعبية هم من سلالة الهان التي شكلت العصر الذهبي لتاريخ الصين, فهم الجماعة الإثنية الرئيسية التي استمر حكمها لأكثر من 400 سنة.
ويبلغ عدد المنتسبين لقومية الهان 1.31 مليار نسمة ويوجدون بشكل أساسي في الصين وفي عدد من بلدان جنوب شرق آسيا وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، ويتحدث الهان اللغة الصينية، وينتمون لديانات عديدة أبرزها الصينية والبوذية.
وقد عملت الحكومات الصينية المتتابعة على توطين العديدين من قومية الهان في إقليم تركستان الشرقية؛ وذلك بهدف تغيير الطبيعة السكانية للمنطقة ذات الأغلبية المسلمة.
بمرور الأيام أصبح لأبناء قومية الهان صوتًا مسموعًا في الإقليم على حساب أبناء الإقليم من المسلمين، بل واستغلوا الدعم الحكومي وقاموا بالتحرش بالمسلمين والاعتداء عليهم؛ بهدف دفعهم للمغادرة والهجرة خارج الإقليم، بما تسبب في حدوث اضطرابات متكررة في إقليم تركستان الشرقية، والتي نقلت وسائل الإعلام طرفًا منه للعالم الخارجي.
الحدث في وسائل الإعلام
تابعت العديد من وسائل الإعلام الصدامات التي حدثت في يوليو 2009م عندما هاجمت عصابات المستوطنين من الهان مسلمي الإيجور في مدينة أورومتشي..
فجاء في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية[1] تحت عنوان "الصينيون الهان ينزلون إلى الشوارع مسلحين بالسواطير والهراوات.. ويطاردون المسلمين الإيجور للانتقام":
تجددت الاشتباكات الإثنية في منطقة أورومتشي غربي الصين، التي تقطنها أقلية مسلمة من الإيجور، بعد اندلاع أعمال عنف أدت إلى مقتل 156 شخصًا على الأقل وجرح أكثر من 800، فيما يبدو أنها أكبر احتجاجات تشهدها الصين منذ 20 عامًا. ونزل الآلاف من الصينيين الذين ينتمون لإثنية الهان وتشكل أغلبية سكان الصين، إلى الشوارع للاعتداء على الإيجور، فيما امتدت الاشتباكات إلى مناطق أخرى خارج أورومتشي. ودفعت الاشتباكات الجديدة بالسلطات المحلية إلى فرض حظر للتجول في أورومتشي في عاصمة منطقة سينكيانج، كما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة. وأعلن المسئول الكبير في الحزب الشيوعي في سينكيانج، وانغ ليكوان للتلفزيون أن حظر التجول سيطبق؛ لتفادي تكرار مشاهد الفوضى التي ظهرت بعد الظهر في المدينة التي يصل تعدادها إلى مليوني نسمة، كما أوضحت الوكالة.
وفي خطوة غير معتادة، سمحت السلطات الصينية للصحافيين بالتوجه إلى المنطقة لتغطية الأحداث، عكس ما حصل في انتفاضة التبت عام 2008م عندما منعت الصحافيين من تغطية التظاهرات التي قادها الرهبان البوذيون. وقالت وكالة "رويترز" التي زار مراسلها المنطقة: إن صينيين من الهان مسلحين بقضبان حديدية ومناجل نزلوا إلى الشوارع الجانبية وبئر سلم مبنى سكني؛ بحثًا عن أهداف المسلمين من الإيجور.
وأضاف مراسلها أن مئات المحتجين من الهان نزلوا إلى الشوارع وهم يمسكون بسواطير وأنابيب معدنية وهراوات خشبية، وقاموا بتحطيم متاجر يمتلكها الإيجور. وصرخ بعض الصينيين الهان بعبارة: "هاجموا الإيجور"، في حين تبادل الجانبان إلقاء الحجارة بعضهم على بعض.
وقامت الشرطة في نهاية الأمر بتفريق الحشد، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق الحشد، لكن ذلك شجع لفترة قصيرة متظاهرين حوصروا بين مجموعتين من شرطة مكافحة الشغب الذين تفصل بينهم مسافة 600 متر.
وقال مراسل "رويترز": إن قوات مكافحة الشغب المسلحة بالهراوات والدروع، قامت بإبعاد المحتجين عن ضاحية الإيجور لكن مئات تمكنوا من التسلل خلال خطوط الشرطة. وكان كثيرون من المحتجين الإيجور من النساء اللائي يبكين ويلوحن ببطاقات هوية أزواجهن أو أبنائهن، ويقلن إنه تم اعتقالهم بطريقة تعسفية. وقالت امرأة: "الشرطة ألقت القبض على زوجي.. لم يذكروا أي سبب.. اقتادوه دون أن يقولوا شيئًا".
وخلع عبد الله علي وهو شاب من الإيجور في العشرينيات من عمره قميصه، ورفع قبضة يده قائلاً: "يلقون القبض علينا دونما سبب، وحان الوقت لنرد". وأضاف أن أشقاءه الثلاثة وشقيقته بين 1434 مشتبهًا به ألقت الشرطة القبض عليهم لاستجوابهم، وشَكَا سكان محليون من أن الشرطة تقوم بمداهمات عشوائية في المناطق التي يقطنها الإيجور.
وأدت أعمال العنف إلى اعتقال الآلاف من المسلمين الإيجور، فيما أظهر التلفزيون الرسمي مشاهد لمتظاهرين يهاجمون أشخاصًا من إثنية الهان، في ما ذكر بأعمال العنف التي جرت السنة الماضية في التبت.
وقد اتهم الإيجور المقيمون في المنفى قوات الأمن الصينية بالقيام برد فعل مبالغ فيه أثناء تفريق مظاهرات سلمية قام بها آلاف الأشخاص، وقالوا: إن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين عشوائيًّا.
أمَّا موقع العربية نت[2] فقد كتب تحت عنوان "اعتقال المئات بعد يوم من الاحتجاجات بإقليم مسلم.. "الهان" في الصين يتوعّدون بالانتقام من مسلميها بعد أعمال شغب دامية":
اعتقلت الشرطة الصينية 1434 شخصًا على دورهم المفترض في أحداث الشغب التي اندلعت الأحد 5 يوليو 2009م في أورومتشي, وهي كبرى مدن إقليم سينكيانج الذي تقطنه أقلية الإيجور المسلمة، والتي قتلت ما لا يقل عن 156 شخصًا، وإصابة أكثر من 1000 جريح. حسب حصيلة رسمية نشرتها وكالة أنباء الصين الجديدة في 7 يوليو 2009م.
كما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بأنه تم تدمير 200 متجر و14 منزلاً, وتم إحراق 261 من السيارات، ومعظمهم من الحافلات، وذلك حسب ما قاله قائد الشرطة الإقليمية الصينية ليو ياوهوا
وفي بيان تلقت منه نسخة "العربية.نت" عبرت منظمة المؤتمر الإسلامي عن قلقها البالغ إزاء الأحداث الأخيرة في إقليم سينكيانج, حيث دعا الأمين العام الحكومة الصينية إلى الإسراع بإجراء تحقيق ميداني نزيه حول هذه الأحداث الخطيرة، وإلى تقديم المسئولين عنها إلى العدالة، وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للحيلولة دون تكرارها مع ضمان تقديم تعويضات كافية للضحايا.
ويتضح من خلال العدد الكبير للإصابات في صفوف المدنيين، أنه لم تتم مراعاة مبدأ الحذر والتناسب في استخدام القوة والأسلحة النارية؛ فطبقًا للمبدأ الأساسي الدولي بخصوص استخدام القوة والأسلحة النارية، يجب على المسئولين عن إنفاذ القوانين اللجوء إلى الأساليب غير المميتة في التصدي للاضطرابات المدنية.
وأوضحت منظمة المؤتمر الإسلامي استعدادها لتقديم المساعدة وللتشاور مع الحكومة الصينية حول الجهود التي يتعين بذلها من أجل خلق مناخ قوامه السلم، والاستقرار في الإقليم.
ومن جانبها, شككت ربيعة قدير، زعيمة المعارضة الإيجورية في المنفى، في المعلومات التي تتحدث عن ضبط الشرطة الصينية خلايا إرهابية في منطقة سينكيانج ذات الغالبية المسلمة.
وقالت: "أدعو الأسرة الدولية إلى النظر إلى هذه المعلومات بأكبر قدر ممكن من التشكك".
وأكدت ربيعة قدير التي تعيش في المنفى في واشنطن منذ 2005م بعد أن أمضت 6 سنوات في سجون بكين، أن المنظمة التي تتزعمها "الجمعية الأمريكية للإيجور" تعارض الإرهاب واستخدام العنف, فيما نفت قدير الاتهامات الموجهة إليها بأنها حرضت على أعمال الشغب.
الحدث بأقلام المحللين
وقد تصدى العديد من المحللين والكُتَّاب لهذه القضية بالعرض والتحليل، انظر ملف (مسلمو الإيجور والفناء) على موقعنا.
كما أفرد الدكتور راغب السرجاني أربع مقالات كاملة شرح فيها أبعاد الأزمة من بدايتها، ووضح جذورها التاريخية ورصد تطوراتها، إضافة إلى تقديمه للعديد من الأدوار التي يتوجب على المسلمين أداؤها لمساندة إخوانهم المستضعفين في تركستان[3].
تطورات القضية
ما زال الوضع على حاله في إقليم تركستان الشرقية المحتل سواء من ناحية الظلم المستمر للمسلمين الإيجور على يد الحكومة الصينية أو من قِبَل المستوطنين الهان الذين يتمتعون بكامل الدعم الحكومي وكافة التسهيلات؛ بهدف تمكينهم من مقدّرات الحياة في الإقليم على حساب أبنائه وسكانه الأصليين..
ونضرب مثلاً بما قامت به الحكومة الصينية في 24 يونيو 2010م عندما أعلنت القبض على عشرة أفراد، وزعمت أنهم ينتمون إلى جماعة إرهابية كبيرة تنشط بمنطقة سينكيانج المضطربة؛ إذ نقلت وكالة الصين الجديدة "شينخوا" عن المتحدث باسم وزارة الأمن العام "بعض المشتبه بهم اتهموا بالتورط في هجومين قاتلين شهدتهما بلدتا كاشجار وكوجا في سينكيانج عام 2008م"
وأضاف "المشتبه بهم كانوا بين مجموعة من 20 مواطنًا صينيًّا عادوا إلى الصين من دولة لم يفصح عنها في ديسمبر الماضي".
وهذا الحدث يعد حلقة في سلسلة متَّصلة من الاتهامات والتلفيقات التي تهدف إلى ترويع أبناء الإيجور المسلمين، ولإثنائهم عن المطالبة بحقّهم في الاستقلال، إضافة إلى غض الطرف عما يرونه من عمليات التوطين المحمومة لأبناء قومية الهان، بما يشكل أعظم خطورة على التركيبة السكانية للإقليم.
وعلى جانب آخر فقد دعت منظمة العفو الدولية في 3 يوليو 2010م السلطات الصينية إلى إجراء تحقيق مستقل حول الاضطرابات العرقية التي وقعت العام الماضي في إقليم تركستان الشرقية "سينكيانج"، مشيرةً إلى "الاستخدام المفرط للقوة واعتقالات كثيرة واختفاء بعض الأشخاص وتعذيب وسوء معاملة" المعتقلين بعد الاضطرابات.
وحذرت المنظمة التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان في التقرير الذي أصدرته 2 يوليو من الصورة التي قُدِّمت بها الأحداث، وفقًا لرواية الحكومة الصينية.
وقد أصدر القضاء الصيني أحكامًا بحق حوالي 200 شخص، بينهم 26 على الأقل حكم عليهم بالإعدام، ونفذ منها تسعة أحكام بحسب وسائل الإعلام الصينية.
أمَّا الحكومة الصينية فقد فرضت إجراءات أمنية مشدَّدة يوم الاثنين 5 يوليو في مدينة أورومتشي عاصمة منطقة "سينكيانج"، التي شهدت الاضطرابات العام الماضي.
ونشرت مئات من عناصر الشرطة خصوصًا في حي الإيجور حيث كانت شرطة مكافحة الشغب المجهَّزة بالدروع والهراوات تقوم بدوريَّات
كما أُغلق قسم كبير من ساحة الشعب، وسط المدينة الذي انطلقت منه أعمال العنف السنة الماضية أمام العموم، وبدت أورومتشي هادئة بشكل غير اعتيادي، بعدما طلبت السلطات من الإيجور عدم الخروج من منازلهم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق